اليوم الدولي للمنحدرات من أصل إفريقي.. نضال متجدد من أجل المساواة والتمكين
يحتفل به 25 يوليو من كل عام
في 25 يوليو من كل عام، يحتفل العالم بيوم لم يكن له اسم في سجلات الأمم المتحدة حتى العام 2023، إنه اليوم الدولي للنساء والفتيات المنحدرات من أصل إفريقي، يوم اعتراف ومساءلة وأمل، في دعوة تتجدد كل عام للإنصاف وتحقيق العدالة التاريخية والاجتماعية لأكثر الفئات تهميشًا في العالم: النساء والفتيات من أصول أفريقية.
نشأة اليوم الدولي
أُقرّ هذا اليوم رسميًا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر القرار رقمA/RES/78/323 في 22 ديسمبر 2023، ليُحتفل به لأول مرة في 25 يوليو 2024، وقد جاء اعتماد هذا اليوم استجابةً لمطالب نُشطاء وناشطات المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية، والمجموعات النسوية الإفريقية، التي ناضلت عقوداً من أجل الاعتراف بالتحديات المتقاطعة التي تواجه النساء والفتيات المنحدرات من أصل إفريقي في مختلف أنحاء العالم.
يأتي هذا اليوم في سياق أوسع من مبادرات الأمم المتحدة مثل "عقد الأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي" (2015-2024)، الذي دعا إلى الاعتراف والعدالة والتنمية لأبناء هذه المجتمعات.
وباعتماد هذا اليوم، تُعزز الأمم المتحدة التزامها بمكافحة التمييز العنصري، ورُهاب الأجانب، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، خصوصًا حينما تتقاطع هذه الأنظمة التمييزية مع الخلفية العرقية.
اعتراف كامل بالتاريخ المنسي
يمثل هذا اليوم فرصة عالمية لتسليط الضوء على إسهامات النساء والفتيات المنحدرات من أصل إفريقي، في مجالات التعليم، والصحة، والعمل المجتمعي، والنضال الحقوقي، والفن والثقافة، والقيادة السياسية، لكنه أيضًا مناسبة للكشف عن الفجوات العميقة التي لا تزال تفصلهن عن التمكين الحقيقي.
وبينما تُعاني نساء إفريقيا والمنحدرات من أصولها حول العالم من التهميش والتمييز متعدد الأوجه، فإن أصواتهن تظل قادرة على خرق الصمت، وتحريك المياه الراكدة في السياسات الدولية والمحلية.
عندما يتقاطع التمييز العرقي مع التهميش الجندري
تعاني الفتيات المنحدرات من أصل إفريقي من معدلات فقر أعلى مقارنة بنظرائهن، نتيجة للتمييز التاريخي والعنصرية الهيكلية، و كثير منهن يُحرمن من التعليم النوعي أو يُجبرن على ترك المدرسة لأسباب اقتصادية واجتماعية، و يكاد يندر وجود النساء والفتيات ذوات الأصل الإفريقي في مواقع اتخاذ القرار السياسي أو الاقتصادي أو القانوني.
كما تواجه هؤلاء النساء نسباً أعلى من العنف الجنسي، العنف المنزلي، والعنف المجتمعي، كما أنهن أكثر عرضة للإسكات حين يُطالبن بحقوقهن، حيث تعاني الأنظمة الإحصائية في كثير من الدول، بما في ذلك بعض الدول الإفريقية، من غياب البيانات المصنّفة حسب العرق والنوع الاجتماعي، ما يُعيق صياغة سياسات دقيقة وعادلة.
تمكين قائم على الكرامة والعدالة
تؤكد وكالات الأمم المتحدة، بما فيها مكتب مفوضية حقوق الإنسان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن أي تمكين حقيقي يجب أن يقوم على أسس حقوقية، تشمل:
-الاستثمار في التعليم النوعي، وبرامج الإرشاد والتوجيه للفتيات المنحدرات من أصل إفريقي.
- مكافحة الصور النمطية، خاصة في وسائل الإعلام والمناهج الدراسية والسياسات العامة.
- التمثيل الحقيقي في القيادة: من المجالس المحلية إلى البرلمانات الوطنية والمناصب الدولية.
- جمع وتحليل البيانات المصنفة: لتصميم سياسات تعكس الواقع، وتضمن التوزيع العادل للفرص.
- حماية المدافعات عن الحقوق، والناشطات، والقيادات المجتمعية اللواتي يتعرضن للقمع والتهميش.
مبادرات إقليمية
تعد شبكة القيادات النسائية الإفريقية التي أُنشئت بدعم من مفوضية الاتحاد الإفريقي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، من أبرز المبادرات القارية في هذا السياق، وتهدف الشبكة إلى: تعبئة النساء لقيادة التحول السياسي والاقتصادي في القارة، تحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة (المساواة بين الجنسين)، دعم تنفيذ أجندة إفريقيا 2063، وخاصة الطموح السادس: "إفريقيا التي نريدها".
ولا يمكن تحقيق الإنصاف بدون معرفة دقيقة بالواقع، لذلك، تُعد الفجوة في البيانات الجندرية والعرقية من أبرز التحديات أمام وضع سياسات عادلة، ولذلك تشير التقارير الأممية إلى الحاجة الملحة إلى: بناء أنظمة بيانات جندرية متقاطعة، توثيق تجارب النساء المنحدرات من أصل إفريقي في السياقات الإنسانية والأزمات المناخية والتكنولوجيا، تحفيز التمويل الحكومي والدولي لتعزيز قدرات الإحصاءات الجندرية.
في عامه الثاني، يُمثّل اليوم الدولي للنساء والفتيات المنحدرات من أصل إفريقي فرصة لمساءلة التاريخ، وتفكيك الحاضر، وبناء مستقبل لا تُقصى فيه نصف الحقيقة، إنه يوم للتذكير بأن تمكين هؤلاء النساء ليس مجرد هدف إنساني، بل شرط جوهري لأي تنمية عادلة، شاملة، ومستدامة.
من نيويورك إلى كيب تاون، ومن ريو إلى باريس، تتردد الدعوة ذاتها: "لا تُحدثوا التغيير من دوننا"، النساء والفتيات من أصل إفريقي لا يحتجن إلى الشفقة، بل إلى العدالة، لا إلى التمثيل الرمزي، بل إلى القيادة الحقيقية، واليوم الدولي لهن ليس احتفالًا رمزيًا، بل لحظة تحوّل بنيوي ومسؤولية مشتركة.